top
   

 

 

 

سعادة السفير د. رياض نعسان آغا

بين معاداة السامية ومعاداة الإسلام

د.رياض نعسان آغا

Ambassador@Syrianembassy.ae

المقال بصيغة PDF

 

لم أفاجأ بأن يدخل في الإسلام أكثر من خمسين دانماركياً خلال هذه الأيام القريبة الماضية التي تنبه فيها عامة الدانماركيين إلى أن محمداً نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم شخصية فذة فريدة يلتف حولها ويقدسها مليار ونصف المليار من المسلمين في العالم·
وعلى ذكر الضارة النافعة أعتقد أن الحاقدين على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام يقدمون من حيث لا يدرون ولا يريدون فرصة لأهل الغرب عامة ليروا حجم تعلق المسلمين بنبيهم العظيم·
وقد سمعت بعض المسؤولين في دول إسكندنافية يقولون إنهم لم يكونوا يقدرون أن صوراً كاريكاتورية تنشرها صحيفة غربية يمكن أن تحدث ما حدث من ردة فعل قوية مستنكرة·
ولأنني من المؤمنين بنظرية المؤامرة الصهيونية على الأمتين العربية والإسلامية حتى وإن أنكر عليّ ذلك من يرون التاريخ مجرد مصادفات، فإنني أشك (والشك طريق ديكارتي لليقين) في أن نشر الرسوم لم يكن حدثاً صحفياً عادياً بين منشورات الصحيفة، بل هو حلقة من الحملة المنظمة والمبرمجة لمعاداة الإسلام، وهي ليست حملة جديدة ولكنها أخذت طابعاً رسمياً ودولياً مقلقاً منذ أن تولى اليمين المتطرف مقاليد الحكم في الولايات المتحدة، وواكب ذلك صعود المتطرفين وعلى رأسهم شارون إلى سدة السلطة في إسرائيل، وقد بدأ عهده باقتحام المسجد الأقصى مما أثار مشاعر المسلمين في العالم كله، وكانت انتفاضة الأقصى تعبيراً عن رفض ذاك العدوان·
ولقد كتب الكثير عن حملة معاداة الإسلام، ونوقشت بعمق آراء برنارد لويس في صراع الثقافات التي ورثها هنتينغتون في تنبئه المبرمج بصراع الحضارات، ونادى المسلمون بحوار الحضارات بديلاً عن الصراع وقد استجاب لهم كثير من المفكرين الغربيين المعتدلين وشخصيات ذات مكانة من رجال الدين المسيحي واليهودي وتحققت مناظرات مهمة في حوار الأديان أو التقارب بينها، لكن الاستجابة السياسية الرسمية للحوار كانت ضعيفة جداً، حيث ما يزال فريق من المتطرفين يحلمون بأن يفيقوا يوماً فلا يروا مسلماً على وجه الأرض· ويبدو أن هذا الحلم المستحيل يشبه الحلم الذي كان يراود رابين بأن يصحو يوماً فلا يرى غزة، ولكن رابين صحا من حلمه على واقع أن الفلسطينيين موجودون رغم أكذوبة مائير، وحين حاول أن يعترف بالواقع وكاد يصنع السلام قتله المتطرفون، وقتلوا بعده عرفات· وكانت المفارقة أن شارون ذاته هو الذي أمر بالانسحاب من غزة (وقد اعتبر المتطرفون مرضه وشلله غضباً من الرب عليه لأنه خالف إرادته وتنازل عن غزة) بل المفارقة الأهم أن شارون ''بطل'' إسرائيل التاريخي هو الذي أمر بأن يسجن الإسرائيليون خلف الجدار أو السور، متنازلاً على صعيد عملي عن حلم إسرائيل الكبرى، ومغلقاً الأبواب على ''غيتو'' إسرائيل الصغرى التي كان بيريز يحلم بأن يفتح أبوابها على شرق أوسط كبير·
وكما أن وهم إسرائيل الكبرى تبدد وصار من أساطير الحالمين، يتبدد يوماً بعد يوم حلم الواهمين بأن يفيقوا يوماً فلا يروا مئذنة يرتفع منها صوت مؤذن يكبر باسم الله، أو أن يسمعوا قرآناً يتلى، وهم قلقون لأن الإسلام يزداد حضوراً في أوروبا، وقد بدؤوا يحاصرونه بتهمة الإرهاب، ولكن فاجعتهم أن الإسلام يزداد انتشاراً رغم كل التشويه الذي يلحقه به أعداؤه· والمؤسف أن فريقاً كبيراً من أعداء الإسلام هم ممن يدعون بأنهم مسلمون، فمع أنني مازلت غير متأكد من أن عرباً أو مسلمين هم الذين ارتكبوا جريمة 11 سبتمبر (وسأبقى مُصراً على براءتهم حتى تظهر الأدلة القاطعة) إلا أنني أعتقد أن الفكر المتطرف الذي يروج له من يسمحون لأنفسهم باحتكار الدين أو بتكفير الناس وهدر دمائهم لأنهم يخالفونهم الفكر أو المعتقد هم أخطر على الإسلام من أعدائه الصريحين، ومع أنني كذلك غير متأكد من صحة اتهام عرب أو مسلمين بتفجيرات لندن أو مدريد أو سواها من التفجيرات لكن احتمال تورط مسلمين متطرفين بذلك وارد، وهذا يشوه الإسلام ويقدم الأدلة لمن يبحث عنها على أن الإسلام دين يقدس العنف، ويمهد لقبول بعض الأوروبيين بمثل هذه الإساءات لنبي الإسلام، كما أن الجرائم المريعة التي تحدث في العراق من خطف وقتل للأبرياء، أو تلك التي حدثت في فنادق عمان تسيء إلى الإسلام إن كان حقاً قد قام بها مسلمون، وأنا لا أستبعد ذلك، ولكنني لا أبرئ أعداء الإسلام من احتمال كونهم يرتكبون الجرائم ويرمون بها الإسلام بهدف تبرير الحملة ضده·
وقد كبرت الحملة ضد الإسلام مع فوز ''حماس'' في الانتخابات الفلسطينية ويأتي انتصارها رداً شعبياً صارخاً على حملة معاداة العروبة والإسلام، وتعبيراً واضحاً عن يأس الشعب الفلسطيني (بل العربي كله) من مسيرة السلام التي لم تصل إلى شيء، وتأكيداً على التمسك بحق المقاومة المشروعة للاحتلال·
وقد بدأت المراهنات على أن ''حماس'' ستفشل وتتنازل وأنها لن تستطيع التمسك بمبادئها، وأنا واثق بأن الإخوة في ''حماس'' يملكون رؤية واسعة للعالم، وقدرة على التلاؤم أنضج من كل الذين يظنون أنفسهم عباقرة سياسة ممن لا يملكون من القدرة والخبرة غير تقديم التنازلات المجانية· والعجيب أن بعض دعاة ما يسمى الليبرالية الجديدة من العرب المرابطين في واشنطن أو العاملين في إعلامها العربي الصهيوني بدوا أكثر قلقاً على إسرائيل من اليهود أنفسهم، وقد بدؤوا يطالبون ''حماس'' بأن تعترف بإسرائيل فوراً وأن تلغي تمسكها بالمقاومة، وقد يطلبون منها أن تلغي انتماءها للإسلام أيضاً كي تطمئن إسرائيل!!
إنني واثق من أن الإخوة في ''حماس'' سيقدمون تجربة ناجحة تكرس قيم الديمقراطية التي أوصلتهم إلى السلطة (وهذه مناسبة لأحيي الأخ الرئيس ''أبو مازن'' لحرصه على النزاهة الديمقراطية التي سيذكرها التاريخ له ولـ''فتح'') وواثق من أن المجتمع الدولي سيجد نفسه أمام جدية في البحث عن السلام العادل والشامل لأن الشعب الفلسطيني لن يقبل مزيداً من إضاعة الوقت والمماطلة والوعود الخادعة، ولن ترهبه تهديدات إسرائيل باغتيال قادة ''حماس'' فقد زادتها حملة اغتيالات قادتها إيماناً وثباتاً على الحق·
إن الحملة ضد ''حماس'' و''حزب الله'' هي الحلقة الأبرز في حملة معاداة الإسلام، ونحن نؤكد أن حرصنا على قيم ومفاهيم الإسلام السمح تعزز رفضنا للتطرف الذي لا ينحصر في دين أو ثقافة أو عرق أو جنسية، ونحن ندعو إلى انفتاح وتفاعل عالمي مع كل الأفكار والثقافات واحترام العقائد والأديان والخصوصيات، ولكننا نكره أن يستمر المجتمع الدولي في حالة من اختلال الموازين، فكيف يمكن تبرير حرص الرئيس بوش على وضع قانون يلزم وزارة الخارجية الأميركية بتقديم تقرير سنوي عن معاداة السامية في العالم كله بينما يصمت العالم على معاداة الإسلام؟ وكيف نفهم موقف فرنسا التي أكد وزير خارجيتها أنه لن يتسامح مع معاداة السامية في الوقت الذي تتم فيه يومياً معاداة الإسلام دون أن ينزعج لذلك قادة الغرب، بل يقال إنها ديمقراطية وحرية تعبير، فلمَ إذن قامت قيامة العالم ضد مهاتير محمد لمجرد أنه أشار إلى تنامي نفوذ اليهود في العالم؟ وكيف يمكن تفسير إصرار قادة المجتمع الغربي تحديداً، على أن أي انتقاد سياسي لدولة إسرائيل هو معاداة للسامية؟ إننا ندرك أن في أوروبا والغرب عامة علمانيين ملحدين لا يؤمنون بالأديان كلها، ولكن هل يجرؤ أحد منهم على أن يقلل من عدد ضحايا ''الهولوكست'' أو أن ينتقد إسرائيل لكونها دولة دينية تحمل اسم نبي؟
ألم تقم قيامة زعامات الغرب حين كشف استطلاع للرأي أن غالبية الأوروبيين يعتقدون أن إسرائيل تهدد السلام العالمي؟ إننا ندعو قادة العالم إلى الإنصاف، وإلى سن قوانين دولية تعاقب من يعتدي على المقدسات الدينية عامة، ومشكلتنا التي نعتز بها أننا لا نستطيع أن نرد على الإساءة بمثلها حين يشتم نبينا أو يذم، فنحن وحدنا نتفرد بين أتباع الديانات السماوية بأننا نؤمن بالرسل جميعاً، ولا يكتمل إيمان أحدنا حتى يؤمن بكل الأنبياء كإيمانه بنبينا العظيم محمد، ونحن نغضب ذات الغضب الذي نغضبه لمحمد عليه الصلاة والسلام، حين يساء إلى مريم أو يسوع أو موسى عليهم السلام فهم أنبياؤنا جميعاً لأن نبينا جاء مصدقاً لما بين يديه من كتب ورسالات سماوية·
لقد قال هنتينغتون في كتابه ''من نحن؟'' إن العداء للإسلام وللحضارة الإسلامية ضروريان لأنهما يساعدان على تحقيق التفاف الأميركيين حول هويتهم الأميركية، وإنه يحقق صحوة مسيحية جديدة في أميركا، ويسانده عدد كبير من المثقفين الأوروبيين الذين باتوا يخشون تنامي حضور الإسلام في أوروبا، ولكنهم يتجاهلون أن عداء الإسلام وكراهيته ومحاربته بالعنف والإرهاب الفكري ستولد عنفاً مضاداً، كما أن دعوتهم إلى محاربة الإسلام وعدائه، تكشف زيف ادعائهم بأنهم يبشرون بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، فمن أبسط حقوق الإنسان حرية معتقده واحترام الآخرين لهذا المعتقد، وهذا ما حققه الإسلام العظيم حين أعلن حرية الاعتقاد حتى إنه سمى الكفر به ديناً واعترف به (لكم دينكم ولي دين)·

 

 

© 2005جميع الحقوق محفوظة . تصميم وتنفيذ المهندس علي محفوض