top
   

 

 

 

سعادة السفير د. رياض نعسان آغا نريد ساحة حوار لا ساحة حرب

د.رياض نعسان آغا

Ambassador@Syrianembassy.ae

المقال بصيغة PDF

ما تزال استجابة الولايات المتحدة لدعوة العرب إلى الحوار معها في حدودها الدنيا، فما تم من حوارات مع نخب سياسية أو ثقافية لم يدخل بقوة إلى دائرة صناعة القرار، ذاك أن غالبية المشاركين في الحوارات التي جرت في ندوات ومؤتمرات عقدت في الوطن العربي أو في الولايات المتحدة لم يكونوا من صناع القرار، ولم تجد تقاريرهم سبيلاً إلى التنفيذ الدقيق عدا بعض الاستثناءات التي تتعلق بضرورة تحسين صورة أميركا ورفع كفاءة الخطاب الإعلامي الأميركي الموجه إلى العرب والمسلمين ومنحه ميزانيات إضافية كما جاء في تقرير لجنة دجيرجيان إلى الكونغرس قبل عامين، وربما كان من نتائج تلك التوصيات إطلاق قنوات إذاعية وتلفزية تخاطب العرب وتستضيف النخب، وتسوق الأفكار الأميركية، وهي أحادية الجانب لأنها لا تتجه بذات الرسالة الإعلامية إلى الشارع الأميركي. فأما المعنيون بصناعة القرار في دوائره الضيقة فلم يشاركوا في الحوارات، ولم يستمعوا إلى وجهات نظر النخب العربية وقد اكتفوا بما يسمعون من خطاب رسمي يقول أحياناً في الغرف المغلقة عكس ما يقول في القنوات الفضائية.

وقد أسعدني ما حملت الأنباء قبل أيام حول تكليف الرئيس بوش لوزارة الخارجية الأميركية في قيادتها الجديدة بمتابعة الحوار مع سوريا، وهذا ما نرحب به ونرجو أن يكون مؤشراً إلى بداية شك الإدارة بصحة ومصداقية التقارير التي يعدُّها دعاة الحروب في المنطقة، من الذين يعملون لصالح إسرائيل وليس لصالح الولايات المتحدة أو البشرية، وهم يثيرون الزوابع الإعلامية بإطلاق اتهامات كاذبة حول تورط سوريا في أعمال إرهابية في العراق، ويزعمون أن محاولة إقناع سوريا بالتعاون وصلت إلى طريق مسدود، وينصحون القيادة الأميركية بالقيام بمهمة عسكرية وقائية ضد سوريا، فتارة يطالبون بضرب البوكمال على الحدود، وتارة يطلبون ضرب الساحل السوري، أو تدمير أهداف اقتصادية، مما يجعل الشارع العربي كله يشعر باليأس من جدوى العمل السياسي. ولكن عدداً من القادة العسكريين الأميركيين الميدانيين أنفسهم يستغربون الدعوة إلى توريط الجيش الأميركي بمهمات إضافية ومعهم مندوبون من الاستخبارات العسكرية يؤكدون أنهم لا يملكون أية أدلة جادة على تورط سوري في الشأن العراقي أو في الشأن الفلسطيني.

ولقد كانت النتائج المقبولة لزيارات بيرنز وأرميتاجh إلى دمشق قد أغضبت دعاة الحروب وجعلتهم يدعون إلى تأجيج نيران التهديد، وإلى فرض المزيد من العقوبات على سوريا، لكننا نعتقد أن في الإدارة الأميركية من يؤمنون بأن تكرار الأخطاء لن يكون مجدياً وأن الحوار وحده هو الذي يحقق النتائج المرضية ويضمن بقاء المصالح المشتركة.

ويبدو أن صناع القرار الأميركي لم يهتموا في الماضي القريب بفاعلية الحوار، ولست أقصد هنا حواراً مع أفغانستان أو مع صدام فقد رجحت كفة دعاة الحروب في حل تلك النزاعات، وما زال العالم كله يعاني من التداعيات المأساوية لتلك الحروب، ولكنني أقصد فاعلية الحوار حول قضايا فكرية ذات مساس مباشر بالسياسة مثل قضايا الحرية والديمقراطية. فقد كان حرياً بالإدارة الأميركية أن تبحث عن تفسير سر نفور العرب والمسلمين من دعوة الولايات المتحدة إلى شعارين براقين هما الحرية والديمقراطية ومن إعلان الرئيس بوش عزمه على تحرير المرأة العربية وتمكينها، ومن دعوته إلى إصلاح الشرق الأوسط الكبير، مع أن الشعوب العربية تناضل منذ عقود من أجل تحقيق هذه الأهداف ومن أجل الإصلاح. وتفسير هذا النفور هو فقدان الثقة بنزاهة موقف قيادة الولايات المتحدة من قضايا الوطن العربي وانحياز بعض قادتها المطلق إلى إسرائيل.

وقد يكون أكثر حاجة أميركية إلى التفسير موقف الغالبية العظمى من عامة العرب من دعوة الولايات المتحدة إلى مكافحة الإرهاب، فما يزال الشارع العربي يشك في نزاهة دوافع هذه الحملة التي ألصقت الإرهاب بالعرب وبالمسلمين ظلماً واتهاماً باطلاً. ويعتقد عامة العرب أن ما يحدث من جرائم ضد الإنسانية هو عمل إجرامي منظم تقوم به أجهزة متخصصة معادية للعرب والمسلمين تمتلك ميزانيات ضخمة وتقنيات دقيقة، وقد تستخدم عرباً ومسلمين من ضعفاء النفوس، لأن مهمتها تشويه صورة الإسلام الذي أعلن مفكرون صهاينة منذ سنين أنه العدو اللدود للحضارة الغربية، ورأوا خطر انتشاره في أوروبا وأميركا خلال النصف الأخير من القرن العشرين، كما رأوا أنه هو الذي حمل راية المقاومة ضد المشروع الصهيوني، فوجدوا أنه لابد من محاصرته ومن توجيه ضربة استباقية له قبل أن ينهض ويحتل موقعاً في العالم بعد انهيار الشيوعية. والعرب الذين يعتقدون بأن الإرهاب مصنع ومفبرك، يقدمون حججهم من وقائع نشوء حركات التطرف مثل القاعدة وطالبان وظاهرة الأفغان العرب التي حظيت بدعم مخابراتي أميركي يصعب إنكاره.

وتعتقد غالبية العرب أن الحرب على القاعدة سرعان ما أصبحت هامشية في حين صارت الأولوية لمحاربة حركات التحرير الوطنية التي تناضل ضد الاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية وتسهم بصد عدوان إسرائيل المتصاعد على الشعب الفلسطيني، وهي حركات شعبية لا شأن لها بجريمة سبتمبر، وليست متهمة بها أصلاً، ولم تمارس قط إرهاباً دولياً، ولم تقم بأية أعمال خارج نطاق الدفاع عن حقوقها، وكانت تحظى باحترام دولي رسمي فضلاً عن تأييد شعوب العالم. فأما حركات التطرف الإرهابية فقد كانت منبوذة من الوطن العربي ومن الاعتدال الإسلامي، ولم يكن يدعمها أحد غير الذين يحاربونها اليوم حين انتهت مصالحهم معها، وباتت تشكل خطراً على صانعيها أنفسهم.

ولقد حاول العرب على الصعيد الرسمي وحاول معهم قادة عالميون إقناع الولايات المتحدة بضرورة عقد مؤتمر دولي لتعريف الإرهاب وللتمييز بينه وبين المقاومة، لكن الولايات المتحدة ما تزال ترفض هذا الحوار الضروري الذي نثق بأنه لابد سينجح في إسقاط الاتهامات الظالمة لحركات المقاومة بأنها إرهابية حين يستند إلى منطق العقل وليس إلى منطق القوة.

إننا ندعو القادة الأميركيين إلى تعميق الحوار لأنه ساحة التقاء المصالح، ونحن لا نبحث فيه عن مصالحنا فقط، بل ندرك أهمية أن تتحقق مصالح الآخرين، ونؤمن بأن العمل السياسي هو وحده القادر على إخراج منطقتنا العربية من مستنقع الويلات الذي يتسع ويكبر، فإن لم يتم تجفيفه بالحوار الهادف الهادئ فإن أوحاله ستمتد إلى مناطق مجاورة ليست بعيدة عن روسيا وعن القارة الأوروبية.

ولقد بدأت العملية السياسية بتحقيق تقدم نوعي في فلسطين وفي العراق، وهو تقدم نسبي نرجو أن يكبر عبر رؤية شاملة لجدوى العملية السياسية في المنطقة كلها، ونحن نأمل بعد الانتخابات في العراق التي أسهمت سوريا في إنجاحها، أن يصل الشعب العراقي الشقيق إلى الحفاظ على وحدة العراق وعلى أمنه واستقراره وسيادته، وأن تنتهي الفوضى التي حذرنا منها، وهي التي أتاحت للإرهابيين أن يقوموا بعمليات إجرامية كان هدفها إغراق العراق بالدمار وقتل أبنائه، وهي عمليات مدبرة من أعداء العراق ومن الحاقدين على العروبة والإسلام، فلا يمكن أن يقوم عراقيون أو عرب أو مسلمون بهذا النوع الفظيع الوحشي من الجرائم ضد أهلهم وشعبهم إلا إذا كانوا عملاء مأجورين فقدوا ضمائرهم، كما أننا نريد للعمل السياسي الذي تتابعه القيادة الفلسطينية الجديدة أن يصل إلى نتائج إيجابية، وننتظر دفعاً أميركياً أكثر جدية للعملية السياسية في إنهاء عادل وشامل للصراع العربي الإسرائيلي.

إننا نرجو أن تدرس الخارجية الأميركية بقيادتها الجديدة الأسباب الجادة لكراهية العرب للسياسة الأميركية وأن تسعى إلى علاجها عبر الانحياز إلى الحق وحده وعبر السعي إلى تنفيذ قرارات مجلس الأمن بعدالة وإنصاف وليس بانتقاء أو تحيز إلى طرف من أطراف الصراع، لأن الانحياز المطلق إلى تحقيق مطامع إسرائيل هو السبب الرئيس في فقدان العرب ثقتهم بنزاهة القيادة الأميركية. ونحن نخشى أن يترسخ الشعور بفقدان الثقة عند الأجيال العربية التي تحمل مشاعر طيبة نحو الشعب الأميركي وتذكر له مواقفه الشجاعة في رفضه لشن الحروب باسمه، وتقدر دعوة حكماء أميركا إلى ضرورة إجراء عملية جراحية عميقة للسياسة الأميركية، وهذا ما نرجو أن تقوم به السيدة كوندوليزا رايس فتحقق نقلة نوعية في العلاقات العربية الأميركية، وتفتح أبواب العرب بالحب وليس بالحرب.
 

 

© 2005جميع الحقوق محفوظة . تصميم وتنفيذ المهندس علي محفوض